تتناول الدورة أهمية الدعوة إلى الله وفضلها وحكمها مع تفصيل أدلة ذلك، وبيان أهداف ومقاصد الدعوة إلى الله، ونماذج من سير الأنبياء،
وتناول أركان الدعوة إلى الله، وكيفية الدعوة بين المسلمين ووسائلها وقواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
[color=#800000]المقدمة : [/color]
الحمد لله نـور السماوات ، والأرض الذي أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ، ودين الحق ؛ ليظهره على الدين كله ، وكفى بالله شهيداً.
والصلاة والسلام على البشير النذير ، والسراج المنير؛ الذي بعثه الله بالحق إلى قيام الساعة
وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.. وبعد،،،
فلما كانت الدعوة إلى الله هي المهمة التي كلف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم [color=#008000]قـال تعالى : [ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [ 1 ] قُمْ فَأَنذِرْ [ 2 ] ] سورة المدثر[/color]
. وكلف الله بها هذه الأمة كما [color=#008000]قال تعالى [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِالْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ [110 ]] سورة آل عمران .[/color]
فإنني أحببت أن أجمع رسالة قصيرة ، توضح لكل مسلم مكلف بالدعوة أصول هذه الدعوة ، كيف يدعو إلى الله ؛ وذلك حتى تكون دعوته على بصيرة
كما [color=#008000]قال تعالى : [ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْمِنَ الْمُشْرِكِينَ [ 108 ] ] سورة يوسف .[/color]
وإني لأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة ، ويكتب لها القبول ، وأن يقوم المسلمون جميعاً بواجب الدعوة إلى الله على بصيرة ؛
ليشرق نور الله في الأرض كلها ؛ ويعلو دين الله على كل الأديان ، إنه هو السميع البصير والعلي العظيم..
وكتبه/ عبدالرحمن بن عبدالخالق ، الكويت في 27 من ذي الحجة 1416هـ
أولا: حكم الدعوة إلى الله :
الدعـوة إلى الله واجب كفائي على الأمة الإسلامية جميعها
[color=#008000]وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ 174 ] ] سورة البقرة . و قـال صلى الله عليه وسلم : [ مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍفَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ][/color]
رواه أبو داود ، و الترمذي ، وأحمد ، و ابن ماجه عن أبي هريرة وصححه الألباني في صحيح الجامع 6284.
ويقول الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله :
' أما بالنسبة لولاة الأمور، و من لهم القدرة الواسعة فعليهم من الواجب أكثر ، و عليهم أن يبلغوا الدعوة إلى ما استطاعوا من الأقطار '
[ الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص 17] .
ويقول أيضاً : ' ونظراً إلى انتشار الدعوة إلى المبادئ الهدامة ، و إلى الإلحاد ، وإنكار رب العباد ، وإنكار الرسالات، وإنكار الآخرة ، وانتشارالدعوة
النصرانية في الكثير من البلدان ، و غير ذلك من الدعوات المضللة ، نظراً إلى هذا ؛ فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضاً عاماً
وواجباً على جميع العلماء ، و على جميع الحكام الذين يدينون بالإسلام ، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله ' [ الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة ص17 ].
ثانيا: فضل الدعوة إلى الله
والدعوة إلى الله فضلها عظيم ؛ فهي مهمة الرسل ، الأنبياء ، وهم أشرف الخلق ، وأكرمهم على الله ، و هم الذين اختارهم الله لهداية البشر …
والعلماء هم ورثة الأنبياء ، و قيامهم بالدعوة أعظم تشريف لهم ,
قال تعالى : [ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَالْمُشْرِكِينَ [ 108 ] ] سورة يوسف .
ومن فضل الدعوة إلى الله أن : [color=#800000][ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْأُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ[/color]
مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ] رواه مسلم ، و أبو داود ، و الترمذي ، و ابن ماجه ، و الدارمي ،وأحمد.
و الدعوة إلى الله هي التي من أجلها شرّف الله بها أمة الإسلام جميعاً ،
فجعلها بذلك خير أمة أخرجت للناس، لأنها حملت رسالة الله إلى العالمين ، و جاهدت بها كل الأمم فهم ، خير الناس للناس.
ثالثا : أهداف الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى :
----------------------------------------------
* الأهداف العامة :
إرشاد الناس إلى صراط الله المستقيم ، و دينه القويم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، و من الشرك إلى التوحيد، ومن الجور،
والظلم إلى العدل، والرحمة والإحسان ، والأدلة على هذا كثيرة جداً منها :
قوله تعالى : [ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [ 104 ] ] سورة آل عمران .
وقوله تعالى :[ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [ 73 ] ] سورة المؤمنون . وقوله تعالى :
وقوله تعالى : [ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ [ 67 ] ] سورة الحج . و قال تعالى : [ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو [ 36] ] سورة الرعد .
و قوله تعالى : [ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِالْحَمِيدِ [ 1 ] ] سورة إبراهيم .
وأمة الإسلام التي هي خير الأمم قد أخرجها الله لهذه الغاية ،
فقال سبحانه و تعالى : [ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ[110 ] ] سورة آل عمران .
ولم يشرع الجهاد بالكلمة ، و المال ، و السيف إلا لتحقيق هذه الغايات .
وقد أجمل ربعي بن عامر رضي الله عنه مهمة أمة الإسلام في الجهاد فقال _ عندما أرسله سعد بن أبي وقاص لرستم قائد الفرس . فقال له رستم :
لماذا جئتم ؟
فقال : إن الله ابتعثنا؛ لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام .
أما المقصود من الدعوة والهدف منها:
فالمقصود ، و الهدف الأعظم من الدعـوة هو: إخراج الناس من الظلمات إلى النور ، و إرشادهم إلى الحق حتى يأخذوا به و ينجوا من النـار
و ينجوا من غضب الله ، و إخراج الكافر من ظلمة الكفر إلى النور و الهدى ، وإخراج الجاهل من ظلمة الجهل إلى نور العلم
والعاصي من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة ، هذا هو المقصود من الدعوة
كما قال جل وعلا : [ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ [ 257 ] ] سورة البقرة .
فالرسل بعثوا ؛ ليخرجوا من شاء الله من الظلمات إلى النور ، و دعاة الحـق كذلك يقومون بالدعوة وينشطون لها ؛
لإخراج من شاء الله من الظلمات إلى النور ، و من العذاب إلى المغفرة و الجنة، و من طاعة الشيطان ، و الهوى إلى طاعة الله ، و رسوله.
الأهداف التفصيلية:
1] إيجاد الأمة الصالحة ، الداعية إلى الله المجاهدة ، في سبيله :
من أول أهداف الدعوة : العمل لإخراج الأمة الصالحة التي تعبد الله سبحانه تعالى . [color=#008000]قال سبحانه تعالى :[/color]
و النهي عن الفساد في الأرض عصمة للجميع من عقوبة الله العاجلة في الدنيا
كما قال تعالى : [ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [ 59 ] ] سورة القصص .
وكل ما نهى الله عنه فهو من الفساد في الأرض ،
قال تعالى : [ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِيَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ 90 ] ] سورة النحل .
وكل الرسل الذين أرسلهم الله نهوا أقوامهم عن الفساد ، و الطغيان بعد أمرهم إياهم بتوحيد الله ، وعبادته ، وطاعته.
فنوح عليه السلام
نهى قومه عن الشرك بالله ، و عبادة الصالحين ، و هو أعظم الفساد ، و الشر ،و نهاهم عن صد المؤمنين عن سبيل الله ، واحتقارهم ، و ازدرائهم
و هود عليه السلام
نهى قومه عن الطغيان وعن العتو في الأرض بإهدار الأموال في العبث و الضياع . كما [color=#008000]قال تعالى : [ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [ 128][/color]
أمر قومه بعبادة الله وحده لا شريك له ،و نبذ ما يعبد من دون الله ، ثم نهاهم عن الإفساد في الأرض بالصد عن سبيل الله ،
و إيثار الحياة الدنيا على الآخرة ،[color=#008000] فقال لهم : [ فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [ 74 ] ] سورة الأعراف .[/color]
و قال تعالى : [ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [ 104 ] ] سورة آل عمران .
والخير : اسم جامع لكل نفع ، فالخلق الحسن خير ، والبر ، والصلة ، والإحسان خير ، وإعمار الأرض بالزرع النافع خير
كما [color=#800000]قال صلى الله عليه وسلم : [ إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّىيَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ] [/color]
رواه أحمد ، والبخاري في الأدب المفرد ، وصححه الألباني في الجامع 1424.
و لا شك أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم قد استفاد منها كل العالمين ، حتى الذين لم يؤمنوا بالإسـلام
كما قال سبحانه وتعالى : [ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [ 107 ] ] سورة الأنبياء .
فإن تعاليم الإسلام التي جاءت بالفضيلة ، و الإحسان ، و نبذ الظلم ، و إقامة العدل قد استفاد منها كثير من الأمم ، و الشعوب
وإن لم تدخل في الإسلام ، و قد أخذت كثير من دول العالم نظام الإسلام في المعاملات ؛ فاستفادت بذلك فائدة دنيوية .
وقد جاء الإسلام برفع الظلم عن النساء ، و العبيد ، و الضعفاء ؛ فاستفاد الناس من ذلك ، و جعل الإسلام حقوقاً للأسرى ، و نظاماً في الحروب استفاد
منه الكفار أيضاً . فقد جاء الإسلام في وقت عم فيه الجهل ، و الظلم ، فغير نظرة الناس عمومهم نحو المرأة والعبد ؛
فأزال الفروق الجاهلية التي كان الناس يتفاضلون بها ، و يقتتلون عليها كاللون ، و الوطن ، و الأصل وأعلن في الناس جميعاً أنهم لآدم و آدم من تراب