منتدى دعم PBBoard الرسمي
(نسخة قابلة للطباعة من الموضوع)
https://pbboard.info/forums/t3551
أنقر هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

الدعوة إلى الله بالجد لا بالهزل
ابو عبد الله 06-12-2010 03:19 مساءً
..:: الدعوة إلى الله بالجد لا بالهزل ::..





الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، أما بعد:
فقد قال الله تعالى: [قُلْهَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِاتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ]،ففي هذه الآية أن الدعوة إلى الله هي سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلموسبيل اتباعه، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليه، فقالتعالى: [وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ]،[وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ].
وقد أخبر سبحانه وتعالى أنه يدعو عباده إلى جنته ومغفرته، قال تعالى: [وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ]، وقال: [وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ].
ودعوتهسبحانه هي دعوته على ألسنة رسله بما أنزله في كتبه من شرائع دينه، وحقيقةالدعوة إلى الله، هي: الدعوة إلى الإيمان به، وبرسله، وباليوم الآخر، وإلىعبادته وحده لا شريك له. وعبادته تقوم على تقواه وعلى طاعة رسله، قالتعالى عن نوح عليه السلام: [أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ]، وهذه هي دعوة الرسل كلهم، كل رسول يقول لقومه: [اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ]، [فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ].
كماتقوم دعوة الرسل على البِّشارة والنِّذارة، بشارة المؤمنين بما أعده اللهلهم من المغفرة والنعيم المقيم، ونذارة المكذبين بما توعد الله به أهلمعصيته من أنواع العقوبات، قال تعالى: [رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ]، وقال الله في خاتمهم: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا].
فمدارالدعوة إلى الله على الأمر بما أمر الله به ورسوله، والنهي عما نهى اللهعنه ورسوله مع الترغيب في ثوابه وما أعد لأهل طاعته، والترهيب من عذابهوما توعد به أهل معصيته، وقد سمى الله الدعوة إليه تذكيرًا، فقال سبحانه: [وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: [فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى]، وأثنى سبحانه على الذاكرين الله والمتذكرين، فقال تعالى: [وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ] الآيةَ، وقال تعالى: [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ]، وقال تعالى: [إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ]، وقال تعالى في الكافرين: [وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ]، وقال تعالى: [فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ].
وللدعوة إلى الله والتذكير به وسائل جماعها في قوله تعالى: [ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]، وأصلُ الحكمة وضعُ الأشياء في مواضعها.
والدعوة بالحكمة، هي: الدعوة بالعلمِ.
والموعظةُ الحسنة إنما تكون بتبليغ أوامر الله ونواهيه، وتذكير العباد بما وعد الله به من أطاعه وتوعد به من عصاه: ترغيبًا وترهيبًا.
والجدال بالتي هي أحسن إنما يكون مع أصحاب الشُّبه والمعارضات للحق، فيُجادَلون بالحجج العقلية، والبينات الشرعية.
وبهذايعلم أن الدعوة إلى الله إنما تكون بتلاوة القرآن وتفسيره، وبتلاوة حديثرسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان ما فيها من حِكَم وأحكام، ومن بيانالحلال والحرام، والآداب والفضائل، التي يجمعها هدي النبي صلى الله عليهوسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذه الطرق في الدعوة هي ما وصف الله به نبيه في قوله تعالى: [لَقَدْمَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْأَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُالْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍمُّبِينٍ]، وقد أمر الله نبيه أن يُذَكِّر بالقرآن، فقال تعالى: [فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ]، وقال تعالى: [وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ]، وقال تعالى:[وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ]، وتلاوة الكتاب تتضمن تلاوة آيِاته ـ أي : قراءته ـ وتلاوته التي هي اتباعه بامتثال أوامره ونواهيه.
وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المبينة والمفسرة لكتاب الله، قال تعالى: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ]، وقد امتن الله على نبيه بما أنزل عليه من الكتاب والحكمة ـ وهي السنة ـ ، فقال تعالى: [وَأَنزَلَاللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْتَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا].
وبهذا العلم يُخرج الله من شاء من الظلمات إلى النور كما قال تعالى: [كِتَابٌأَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَىالنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ]، ولهذا سماه الله نورًا فقال: [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا]، وبهذا النور تستنير العقول، وتزكو النفوس، وتستقيم الأخلاق، وتصلح الأعمال، وتصلح الدنيا والآخرة.
وقد ذكر سبحانه وتعالى أن من آثار تلاوة القرآن على الناس: زيادة الإيمان، والخوف من الله، والبكاء من خشيته، فقال سبحانه: [إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْوَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىرَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ]، وقال تعالى: [إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا}، وقال تعالى: [إِنَّالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنكَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِيَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا]، وقال تعالى: [وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ].
وذم الذين لا يبكون عند سماع القرآن؛ بل يضحكون وهم غافلون، قال تعالى: [أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا].
وقددلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مجالس الذكر هي التي تكونعامرة بتلاوة كتاب الله وتدارسه، وذِكره سبحانه وتسبيحه وتحميده، وسؤالهالجنة والاستعاذة به من النار، وبيان ما يقرب إلى الجنة ويباعد عن النار،من العلم النافع والعمل الصالح، فروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي اللهعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ومااجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلانزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمنعنده »، وعنه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنلله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضُلا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوامجلسًا فيه ذِكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملؤا ما بينهموبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهمالله عز وجل ـ وهو أعلم بهم ـ من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادٍ لكفي الأرض يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذايسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا أي رب، قال:فكيف لو رأوا جنتي؟! قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: مننارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟!قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرت لهم؛ فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهممما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبدٌ خطاءٌ إنما مرَّ فجلسمعهم، قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» متفق عليه.
وعلىهذا مضى السلف الصالح ومن تبعهم بإحسانٍ تعلوا مجالسهم السكينة والوقار،ويعمرونها بتدارس السنة والقرآن، وما فيهما من ذِكر أسماء الله وصفاته،ووعده ووعيده، ومن بيان الحلال والحرام، والآداب والفضائل والأخلاقالكريمة، والحث على كل ما يحبه الله ويرضاه، والذم والتحذير من كل مايسخطه الله ويبغضه من قبيح الأعمال والأقوال، وكانت مدارسهم المساجد التيأمر الله بتعظيمها، قال تعالى: [فِيبُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُلَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْتِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ]الآيةَ.
فلايرفعون فيها الأصوات، ولا يكثرون فيها اللغط والضحك تعظيمًا لبيوت الله،ولمجالس الذكر والعلم والعبادة، وقد تغيرت الأحوال؛ فصارت مجالس العلمالشرعي أكثرها في المدارس والجامعات، ومجالس الوعظ والتذكير والدعوةكثيرًا ما تكون في غير المساجد، فافتقدت هيبة العلم وحُرمة المكان، وصاركثير من الطلاب والحضور لا يجدون حرجاً في التحدث بعضهم مع بعض، لا يمنعهممن الكلام إلا هيبة المعلم؛ بل آل الأمر ببعض الدعاة إلى انتهاج طريقةٍ فيالدعوة والموعظة غيرِ لائقة، ويتأولون أنها أنجع في جذب الشباب، واستمالةالمقصرين والتأثير عليهم، وهذه الطريقة المبتدعة تتضمن أشياء عديدةتُفْقِد المجلس صفةَ الوقار والخشوع والذكر، فممايفعله أصحاب الطريقة الجديدة في الدعوة ـ هداهم الله وجزاهم على قصدهمخيراً ـ حسبما نقل لي بعضُ الثقات، وقد سمعتُ بعضه مسجلاً :
1.حكاية أصوات المغنيين وكلامهم.
2.تقليد أصوات النساء .
3.ذكر كلمات ومصطلحات الفساق؛ كأصحاب المخدرات وغيرهم.
4.تمثيل أفعال وأصوات مَن يَرِد له ذِكر في القصة.
5.السعي إلى إضحاك الحضورِ بكلِ وسيلةٍ، حتى يعود المجلس إلى اللهو أقرب منه للذكر.

ومنالمؤسف أن انشغالهم بالهزل أوقعهم في التقصير فيما يروونه من الحديث،فتجدهم يروون الأحاديث الضعيفة، ويخطئون في ألفاظ الأحاديث الصحيحة، ولايبالون برواية بعض القصص الباطلة.
وحينأذكر ما وقع فيه الإخوة منَ الخطإ في أسلوب الدعوة؛ أدعوهم إلى العودة إلىما أرشد إليه القرآن، ودل عليه هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهديصحابته الكرام، والذين اتبعوهم بإحسان، ولا يتحقق ذلك إلا بتدبر الكتابوالسنة، وتَعَلُّمِ ما فيهما من الهدى ودين الحق، وذلك هو النور المبين،الذي يستضيء به السائرون إلى الله، وخير مَن يُقتدى به بعدَ النبي صلىالله عليه وسلم: صحابته، والتابعون، وأئمة الهدى.
أسأل الله أن يسلك بنا سبيلهم، ويثبتنا على ذلك حتى نلقاه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أملاه
عبد الرحمن بن ناصر البراك
26/12/1431هـ

منتدى دعم PBBoard الرسمي

Copyright © 2009-2024 PBBoard® Solutions. All Rights Reserved